الفكر الجغرافي في الحضارات الشرقية القديمة

تطلع الإنسان إلى المعرفة الجغرافية منذ القدم عن طريق فضوله ومغامراته وبحثه المتواصل عن الغذاء فقد اجتذبته بعض الظواهر الكونية والنجوم والكواكب فوضع تقاويم بسيطة أساسها الظواهر الجوية المرتبطة بتلك الكواكب وقد ركزت الآفاق الجغرافية على اكتشاف بقاع الأرض والتطلع نحو السماء لاكتشاف نجومها وكواكبها.

المعرفة الجغرافية عند حضارة بلاد وادي الرافدين:

تعد حضارة وادي الرافدين أقدم الحضارات وقد عاصرت الحضارة المصرية القديمة وحققت تقدماً كبيراً في حقول المعرفة الجغرافية.

استمدت هذه الحضارة مقوماتها من نهري دجلة والفرات وعاش في بلاد وادي الرافدين العديد من المماليك وأقدمها حضارة سومر في سهل العراق الجنوبي فقد مارس السومريون الزراعة ورافقها التطور المستمر في مختلف العلوم ومنها الجغرافية ومارسوا التجارة وكانت لهم رحلات مع مصر والسودان وعدن وقد ظهرت ممالك أخرى شمال وادي الرافدين كان لها إسهاماتها في تطوير المعرفة الجغرافية وكان للبابليين بقيادة ملكهم حمورابي إسهامات مهمة في تطوير الفكر الجغرافي إذ ساعد تنوع المظاهر الطبيعية المختلفة في تنوع المعرفة الجغرافية.

س: ما هي أهم المعارف الجغرافية في بلاد وادي الرافدين؟

رصد الظاهرات الفلكية ومحاولة تفسيرها:

اهتمت حضارة بلاد وادي الرافدين برصد السماء واكتشاف نجومها وكواكبها وكما يلي:

• اهتم السومريون برصد حركة النجوم والكواكب من معابدهم واعتقدوا أن مصير البشر ومستقبلهم مرتبط بحركات النجوم والكواكب.
• ربط البابليون علم الفلك بالرياضيات وأرسو قواعد علم الفلك ووضعوا العديد من النظريات التي تفسر بعض الظواهر.
• وضعوا جدولاً لحركة الشمس والقمر وأرخوا الكسوف والخسوف وأوقاتها.
• اول من وضع التقويم السنوي إذ قسموا السنة إلى 360 يوم و6 ساعات و50 دقيقة و41 ثانية ويعد هذا التقويم أقدم بحث علمي فلكي مكتشف.
• وضع السومريون والبابليون تقويماً يستند إلى حركة القمر وكانت السنة لديهم 360 يوماً وباشروا شهورهم مع كل قمر جديد وجعلوا طول الشهر بين 29-30 يوم بالتتابع.
• ابتكر العراقيون القدماء الأسبوع وقسموه إلى (7) أيام واليوم إلى ساعات والساعات إلى دقائق والدقائق إلى ثواني وابتكروا المزولة الشمسية ونوعاً من الساعات المائية لقياس الوقت.
• طور العراقيون القدماء فكرتهم عن الكون فقسموا السماء إلى طبقات وجعلوا في كل طبقة تيسرين (الشمس والقمر) وكواكب خمسة حسب أبعادها عن الأرض هي عطارد، الزهرة، المريخ، المشتري، زحل وعينوا اثنا عشر برجاً تنتقل الشمس بينهما على مدار السنة فتمكث في كل برج شهراً كاملاً.

شكل الأرض والعالم المعمور:

• تصور العراقيون القدماء بأن الأرض عبارة عن قبة طافية على محيط من المياه وهي ذات سبع طبقات وإن مركز الكون يقع عند منابع نهر الفرات.
• اهتم البابليون بمعرفة موقع بلادهم وما يجاورها واعتقدوا هي (عيلام في الجنوب، آكد في الشمال، بلاد آشور في الشرق، وأمورو (سوريا) في المغرب).
• اتسعت معلومات العراقيون القدماء عن الأرض عن طريق التجارة والحروب إذ وصلوا بتجارتهم إلى شرقي البحر المتوسط وإلى مصب نهر السند وكانت لهم صلات تجارية مع مصر وجنوبي شبه الجزيرة العربية وقد وضعوا المعارف والمدونات الجغرافية عن الطرق والممرات والمسالك الخاصة بالمدن التي وصلوا إليها.

الكارتوغرافيا (الخرائط):

برع العراقيون القدماء في رسم الخرائط وكانوا أول من وضع الأسس العلمية للخريطة.

استخدموا مقياس الرسم والاتجاهات والخرائط الطبوغرافية وكان هناك العديد من الخرائط التي رسمت في تلك الفترة أهمها خارطة العالم القديم وتعد أقدم خارطة عرفها العالم ويعود تاريخها إلى عام 2300ق.م.

المعرفة الجغرافية في الحضارة المصرية القديمة:

س: ما هي أهم المعارف الجغرافية عند المصريين القدماء؟

ملاحظة الظواهر الفلكية ومحاولة تفسيرها:

• اهتم المصريون القدماء بمحاولة تفسير بعض الظواهر الفلكية التي تخص فيضان نهر النيل ولاسيما النجم سيروس الذي اهتم به الكهنة وسموه (جالب الفيضان).
• وضعوا التقاويم الشمسية ويبدأ التقويم في 19 تموز وهو اليوم الذي يشرق فيه النجم سيروس.
• قسموا السنة إلى (12) شهر والشهر (30) يوماً وقسموا فصول السنة إلى (3) هي فصل الفيضان، فصل نمو النباتات، فصل الجفاف.
• اعتقد المصريون أن شكل الأرض مستطيل وأن سطحها مستوي وكان تصوراتهم بعيدة عن الواقع.

المعرفة الجغرافية بالأرض والرحلات:

• كانت معرفة المصريين بالأرض محصورة بالدول المحيطة بهم في شمال إفريقيا والساحل الشرقي للبحر المتوسط.
• كانت هذه المعرفة نتيجة الحروب والتبادل التجاري.
• أهم الرحلات هي رحلة سنيفرو ورحلة حتشبسوت والرحلات والبعثات الحالات التي قام بها تحتمس الثالث ورمسيس الثاني وكانت نتائجها زيادة رقعة المعرفة الجغرافية عند المصريين القدماء.

الكارتوغرافيا (الخرائط):

• لم يصاحب المعرفة الجغرافية عند المصريين القدماء تطور في صناعة الخرائط رغم علمهم بالمساحة.
• اقتصرت خرائطهم على مسح الأراضي التي يغمرها الفيضان والخرائط الخاصة بمواقع قبور الموتى.

المعارف الجغرافية عند الفينيقيون:

الفينيقيون شعب صغير قادم من سواحل الخليج العربي واستقر عند السواحل الشرقية للبحر المتوسط:

• كان لتجارتهم دوراً في توسيع وتطور الفكر الجغرافي.
• ساعد صفاء سماء بلادهم على معرفة النجوم والاستعانة بالنجم القطبي في أسفارهم وكذلك عمق المياه المجاورة لسواحلهم لعب دوراً في جذبهم للملاحة البحرية.
• أسهم الفينيقيون في الحضارة الإنسانية في أمرين هما الأول اختراع الكتابة الأبجدية والثاني كشوفاتهم الجغرافية في العالم القديم.
• وصل الفينيقيون في رحلاتهم شرقاً إلى شمال غرب الهند وداروا حول إفريقيا وبرعوا في استخدام النجوم في أسفارهم ليلاً.
• حرص الفينيقيون على كتمان أسرارهم الجغرافية والاحتفاظ بها لأنفسهم حتى لا تنافسهم الأمم الأخرى.
• خلفوا لنا العديد من الرحلات أهمها رحلة هانون وكان هدفها إقامة مدن ومراكز تجارية على ساحل إفريقيا الغربي وكذلك رحلة هيويلكون التي وصلوا بها بحر البلطيق.

المعرفة الجغرافية عن الإغريق (اليونان):

قام اليونانيون بنبذ الفكر الأسطوري وأحل محله النظرية العلمية ونالت الجغرافيا عندهم حظاً وافراً من النهضة العلمية التي تميزوا بها وتأسست عندهم الفروع الرئيسية للجغرافية منبثقة من المفهوم العام للجغرافيا من أنها علم وصف الأرض وقسموا الجغرافيا إلى قسمين رئيسين هما الجغرافيا الفلكية والجغرافيا الوصفية أو الإقليمية.

الجغرافية الفلكية والطبيعية:

اهتم الفلاسفة اليونانيون بمحاولة تفسير نشأت الكون والأرص وأمعنوا النظر في طبيعة الظواهر الكونية وجوهرها على أساس المنطق وتوصلوا إلى مجموعة أسس منها:

• فيما يخص الكون اعتقد الإغريق أن الماء أصل الكون ووضعوا العديد من النظريات أهمها نظرية طاليس وتصورا أن الأرض عبارة عن قرص عائم فوق الماء وأنه يشغل زماناً لا نهاية له ومكاناً لا حد له.
• فيما يخص الأرض وحركتها ناقش اليونانيون العديد من النظريات التي توضح شكل الأرض وأولها نظرية فيثاغورث وآراء سقراط وأرسطو وهي تدل على كروية الأرض مستندين إلى الإيمان والمنطق واعتقدوا أن القسم المأهول من الأرض نصفها الأعلى.
• بين اليونانيين القدماء بأن النجوم والأجرام السماوية ساكنة ومستقرة ما عدا الأرض فإنها تدور حول محورها بسرعة كبيرة، أما الشمس والقمر فإن كل منهما يدور حول الأرض.
• أدى توصل اليونانيين إلى فكرة كروية الأرض إلى محاولة قياس محيطها فقدره أرسطو بحوالي (42) ألف ميل وأرخميدس بـ (30) ألف ميل وتوصل أوتوستين إلى قياس محيط الأرض معتمداً على فرق درجة سقوط أشعة الشمس بين مدينتي أسوان والاسكندرية وقدره (39690) كم وهو قريب من محيطها الحقيقي (40120) كم.
• فيما يخص التحديد العلمي للمناطق الجغرافية المناخية قسم أيراتوستين الأرض إلى عدة مناطق مناخية هي المدارية وتقع بين مداري الجدي والسرطان والدائرتان القطبيتان والمنطقتان المعتدلتان اللتان تقعان بين المنطقتين القطبية والمدارية.
• توصل اليونانيون إلى مناقشة العديد من الظواهر الطبيعية منها توزيع اليابس والماء وخطوط الطول ودوائر العرض والمد والجزر وربطها بمواقع القمر.

الجغرافيا الوصفية:

• تشكل الجغرافية الوصفية النواة القديمة التي استحدثت منها فكلمة جغرافية تتألف من مقطعين (geo) وتعني الأرض و(graphic) وتعني وصف الأرض.
• كتب بالجغرافيا الوصفية الجغرافي والمؤرخ والرحالة العسكري والتاجر وهكذا تنامت المعلومات الجغرافية عن الأرض وبلدانها.
• اعتقد اليونانيون القدماء بأن الجزء المغمور بالبشر من الأرض صغير جداً ويقع ضمن المنطقة المعتدلة الشمالية في حين باقي المناطق الأربعة غير مأهولة وأطلقوا على المنطقة المعتدلة الشمالية اسم العالم المعمور وكان البحر المتوسط في عرفهم يمثل قلب العالم المعمور.

المعرفة الجغرافية عند الرومان:

• قامت الإمبراطورية الرومانية على الطرق التي ربطت روما بالشرق وأوروبا وترجع أصول ثقافتهم إلى الإغريق باعتبارهم أرسخ حضارة وأعلى ثقافة وأنضج علماً.
• تأتي إضافتهم للمعرفة الجغرافية من خلال اعتمادهم على أصول المعرفة اليونانية وكان لهم اهتماماً بعلم الخرائط.
• أنشأ الرومان طرق جديدة وعينوا عليها المسافات بالأميال ورسمت معظم الخرائط عندهم لأغراض سياسية وعسكرية ومن أمثلتها خريطة (يو تجز).
• أفاد الرومان من حقيقة كون الأرض كرة واستمروا بالاعتقاد بوضع الكرة في مركز الكون.
• قامت الاسكندرية بدور رائد في المجالين العلمي والثقافي للدولة الرومانية وجذبت العديد من الجغرافيين مثل سترايو وبلينى وبطليموس.